الأحد، 16 يناير 2011

لم تنته المأساة بعد

بقلم: عزت عزيز
كنت قد تناولت بعض من فصول قصتهما في مقال سابق. فهما زوجان مصريان تزوجا بـ"مصر" وسافرا لـ"الولايات المتحدة الأمريكية"، حيث كانت الزوجة تعيش من قبل الزواج، وبعد فترة قصيرة اشترى الزوج منزلأ جميلاً احتضن الزوجين، وثالثتهما الجميلة التي منّ الله بها عليهما، ورابعتهما والدة الزوجة (حماة الزوج).

ومرّت أيامهم بحلوها ومُرها حتي نزع فرحتهما ذئب كانت للزوجة سابق معرفة به منذ سنوات، ومن غير ديانتها، ويقيم بـ"أمريكا" أيضًا؛ فقلب الفرح لكـآبة، والبهجة لنكد، والوئام لنفور، والسلام لخصام، والحب لهجر وحرمان وقطيعة. وبدأت الاتهامات المتبادلة بالخيانة تتبادل بين الزوجين، وعليه قامت الزوجة بتهديد زوجها بإبلاغ البوليس وإتهامه بضربها، وسوف تقوم بـإصابة نفسها لإثبات ذلك..

ولما كان الزوج يعلم أنها لن تتردد في ذلك؛ ترك المنزل حاملاً شنطة ملابسه وبعض متعلقاته.. التقيت بالزوج بعد أن ترك منزله وذهب ليقيم مع بعض أصدقائه، وتبدأ رحلتهما في المحاكم الأمريكية، ما بين دعاوي الطلاق المتبادلة ودعاوي النفقة، ودعوي الزوج لحقه في رؤية طفلته. وكانت الأيام الأخيرة شاهدة لفصل مهم من مأساتهما، حيث أعطتهما المحكمة فرصة أخيرة، وأجَّلت الحكم بالطلاق لفترة مدتها شهر ليراجعا نفسيهما، فقد يتراجعا عما قدما عليه. هذا بالرغم من أن القاضي المحنَّك كرَّر سؤاله أربعة مرات للزوجين عن طلبهما وتمسكهما بالطلاق، وكانت إجابة كل منهما بالإيجاب. وحَكَم للزوج بحقه في رؤية طفلته يومين في الأسبوع، ولساعات محدَّدة. وللزوجة بمائة دولار شهريًا كنفقة للطفلة. وتنازل الزوج أيضًا عن المنزل وكل ما فيه للزوجة.

وفي جلساتي الطويلة معه، علمت بالكثير من أسرار مأساته، وودت أن أكتب عنها؛ ليرى ويتعلم ويأخذ العبرة من لم يعتبر بعد من عُشاق النكد، ومحبي خراب البيوت وتشريد الأطفال واليُتم المبكر!!

ومنعًا للتكرار، ولعدم الإطالة، أتناول هذه المأساة في نقاط محددة..

الزوجة كانت تعيش قبل الزواج بـ"أمريكا"، ففهمت معني الحرية بمفهومها الخاطئ. فلها أن تصادق من تشاء، وفي أي وقت تشاء أيضًا؛ حتي ولو تزوَّجت حسب طقوس الكنيسة القبطية بتعاليمها السامية ونصائحها الشهيرة للزوجة بألا تكشِّر في وجه زوجها، بل تقابله بالبشاشة والترحاب، ولا تنقص من حقوقه عليها!! وللزوج بأن يُسرع إلي ما يسر قلب زوجته، وأن يكون حنونًا عليها. فهو المسئول عنها من بعد والديها.. ولكن الزوجين غالبًا لا يكونا في وعيهما في تلك اللحظات، ولا ينفِّذا هذه الوصية؛ فيصل حالهما لمثل حال هذين الزوجين..

الزوجة أيضًا, تأثرت تأثرًا كبيرًا بحياتها السابقة مع والدتها، حيث كان الانفصال من نصيب والديها من قبل بعد مشاكل جمَّة؛ مما جعلها تفقد الحنان، بل لم تعرفه من قبل؛ فقد تربَّت في بيئة كلها صراخ وعربده وقلق وحرمان، وها القصة تتكرر بكل تفاصيلها ومأساتها مع الابنة، والضحية الزوج، وقبله الابنة الصغيرة التي لم تبلغ عامها الثالث بعد.

القوانين الأمريكية التي تعطي للمرأة حقوقًا، نحن لا نعارضها أو نطالب بإنقاصها. ولكن هذه الحقوق هي السلاح الحاد الذي تستخدمه مثل هذه الزوجة لتقطع به ما تبقي من شرايين رقبة الزوج.

أما الأم– الحماة- التي كان من الممكن أن تقوم بدور فعَّال في إيقاف هذه المأساة، بتأثيرها علي ابنتها وحاجة الابنة لها في تربية الطفلة، وخاصةً أن الزوجة تعمل في إحدي الشركات، ولكن لن نلوم الأم هنا؛ ففاقد الشئ لا يعنيه ولا يعطيه أيضًا، حيث أن الأم مرَّت بنفس التجربة من انفصال عن زوجها وزواجها بآخر، وتركها له أيضًا!!

أما الزوج فلم يكن بالصورة الكافية من الظهور أمام زوجته بالرجل المسئول عن المنزل، وهو صاحب النهي والأمر. ولكن تراخيه أكثر من اللازم، أوصل الأمور لما عليه الآن، حيث أن الزوجة كانت تراه مهمِلاً بعض الشئ في عمله غير المستقر والمتقطع، والساعات الطوال التي يقضيها علي النت، وتركه لزوجته، وهي في أشد الحاجة له.

غياب الألفة بين الزوجين والمحبة التي تحتمل كل شئ، هو الذي دفع الزوجة لتبحث عن هذا المفقود المنشود والمطلوب لكل زوجة، فمن منهن يستطعن العيش دون عواطف، وحب، وهيام، وألفة، وكلام جميل، وغزل؛ حتي ولو بالغ كل منهما في قول هذا للطرف الآخر؟ الزوج هنا يملك دلائل قاطعة ودامغة تؤكِّد علاقة زوجته بذاك الذئب الذي ينتظر الفريسة ويقدِّم لها أجمل عبارات الهيام والرومانسية علي أوتار الحاجة والنقص لدي الزوجة، بل طلب منها صراحةً أن تطلب الطلاق من زوجها، وهو سيتزوجها. ولكن لا نعلم علي أي مذهب سيكون هذا الزواج؟ وهل سينتظر فترة العدة؟ (الفترة التي يجب أن تسبق زواج المرأة بآخر بعد طلاقها أو موت الزوج السابق).

والخبرة علمتنا هنا إنه في مثل هذه الحالات لا عدة ولا يحزنون، فالفريسة جاهزة، وكل شئ مُبًاح، طالما هي من الغنائم!!

الطفلة الصغيرة الجميلة هي الضحية الوحيدة في هذه المأساة، فلن تري الحب، ولن تزُق الحنان، ولن تري العطف والصدر الأمين الذي يضمها بكل صدق وطهارة ونقاء. وكيف تحس بكل هذا وهي تتربي في كنف أم جحود، وزوج أم مفترس، ومخرِّب لبيت كان في يوم من الأيام بيتًا؟ وقد تصنع المأساة من هذه الطفلة مأساة أخري خليفة لمأساة والدتها التي ورثتها عن جدتها من قبل..

تأثرت جدًا عندما رأيت هذه الطفلة من بُعد عندما طلب والدها من والدتها أن يقضي معها يومًا كانت الحماة لهما بالمرصاد؛ مما منع معه وجود فرصة للتقارب مرة أخري بين الزوجين.

الأمر الأكثر أهمية هو غياب الله عن هذا المنزل، فعدم وجوده تبارك اسمه، أعطي لعدو الخير وجنوده أن يعسكروا في هذه الخيمة التي لم تقم فيها مرة واحدة صلاة أو ترانيم أو تأملات روحية. وبعدهما عن الكنيسة وأسرارها التي تُحصِّن الأسرة ضد عدو الخير مهما كانت جبروته.

فالبيت السعيد هو من يبدأ يومه بالله.. بالصلاة.. وينتهي به في المخدع عند حلول موعد النوم عندما تشكر الأم الله، وأب يصلي، وأولادهم يرتلون بفرح وتهليل.

دور الكنيسة هنا هام أيضًا, وهنا أرجو أن يحاللني أبائي الكهنة؛ فلو هناك أباء يفتقدون الرعية دائمًا، ويعرفون مشاكلها منذ بزوغها، لكان في استطاعة الأب الكاهن أن يتدخل في الوقت المناسب، ويعطي النصيحة والإرشاد قبل تفاقم الأمور ويلتجئ الأمر للقضاء، ووصولها لمرحلة خطيرة وحاسمة مما يصعب معها علي الأب الكاهن حل هذه المأساة بعد أن تحجَّرت القلوب، مما استحال معه اختراق كلمات الكاهن لها. بعد أن ملأ الحقد والكراهية الزوجين، مما جعلهما أصماء عن سماع كلام الأب الكاهن..

أنا أيقن إنني رصدت واحدة من آلاف المأسي التي تفجَّرت وخرجت للسطح، وهناك الكثير لم يظهر بعد॥ ولكن سأتناول إحداها في اللقاء القادم إن شاء الله وعشنا..
http://www.copts-united.com/Arabic2011/Article.php?I=690&A=24968

ليست هناك تعليقات: